كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أمِن قرية الرجل الصالح يونس بن مَتَّى»؟ فقال: وما يدريك ما يونس بن متى؟ قال: «ذاك أخي كان نبيًّا وأنا نبيّ» فانكبّ عدّاس حتى قبّل رأس النبي صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه.
فقال له ابنا ربيعة: لمَ فعلت هكذا؟ فقال: يا سَيِّدِي ما في الأرض خير من هذا. أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبيّ.
ثم انصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم حين يئس من خير ثَقيف. حتى إذا كان ببطن نَخْلة قام من الليل يصلّي فمرّ به نفر من جنّ أهل نَصِيبِين.
وكان سبب ذلك أن الجنّ كانوا يسترِقون السمع. فلما حُرست السماء ورُمُوا بالشّهب قال إبليس: إن هذا الذي حدث في السماء لِشيء حدث في الأرض؛ فبعث سراياه ليعرف الخبر. أولهم رَكْب نَصِيبين وهم أشراف الجنّ إلى تِهامة. فلما بلغوا بَطْن نخلة سمعوا النبيّ صلى الله عليه وسلم يصلّي صلاة الغداة ببطن نخلة ويتلوالقرآن. فاستمعوا له وقالوا: أنصتوا.
وقالت طائفة: بل أمِر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينذر الجنّ ويدعوهم إلى الله تعالى ويقرأ عليهم القرآن؛ فصرف الله عز وجل إليه نفرًا من الجنّ من نِينَوى وجمعهم له؛ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إني أريد أن أقرأ القرآن على الجنّ الليلة فأيكم يتبعني»؟ فأطرقوا. ثم قال الثانية فأطرقوا. ثم قال الثالثة فأطرقوا؛ فقال ابن مسعود: أنا يا رسول الله؛ قال ابن مسعود: ولم يحضر معه أحد غيري؛ فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم شِعْبًا يقال له (شِعْب الْحَجُون) وخطَّ لي خطًّا وأمرني أن أجلس فيه وقال: «لا تخرج منه حتى أعود إليك».
ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن. فجعلت أرى أمثال النسور تهوي وتمشي في رفرفها. وسمعت لَغَطًا وغَمْغَمَةً حتى خِفْت على النبيّ صلى الله عليه وسلم. وغَشِيته أسْوِدة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته. ثم طفِقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين. ففرغ النبيّ صلى الله عليه وسلم مع الفجر فقال: «أنمت»؟ قلت: لا والله. ولقد هممت مرارًا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول اجلسوا؛ فقال: «لوخرجت لم امن عليك أن يخطفك بعضهم» ثم قال: «هل رأيت شيئًا»؟ قلت: نعم يا رسول الله. رأيت رجالًا سودًا مُستَثْفِرِي ثيابًا بيضًا؛ فقال: «أولئك جِنّ نَصِيبين سألوني المتاع والزاد فمتَّعتهم بكل عظم حائل ورَوْثة وبعرة». فقالوا: يا رسول الله يَقْذَرها الناس علينا. فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُسْتَنْجى بالعظم والرَّوْث.
قلت: يا نبيّ الله. وما يُغني ذلك عنهما قال: «إنهم لا يجدون عظمًا إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكِل. ولا رَوْثة إلا وجدوا فيها حَيَّها يوم أكِل» فقلت: يا رسول الله. لقد سمعت لغطًا شديدًا؟ فقال: «إن الجِنّ تدارأت في قتيل بينهم فتحاكموا إليّ فقضيت بينهم بالحق».
ثم تبرَّز النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم أتاني فقال: «هل معك ماء»؟ فقلت يا نبيّ الله. معي إداوة فيها شيء من نبيذ التمر فصببت على يديه فتوضأ فقال: «تمرة طيّبة وماء طهور». روى معناه معمر عن قتادة وشُعبة أيضًا عن ابن مسعود. وليس في حديث معمر ذكر نبيذ التمر.
روي عن أبي عثمان النَّهْدِيّ أن ابن مسعود أبصر زُطًّا فقال: ما هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزُّطّ.
قال: ما رأيت شبههم إلا الجنّ ليلة الجنّ فكانوا مستفزّين يتبع بعضهم بعضًا.
وذكر الدَّرَاقُطْنيّ عن عبد الله بن لَهِيعة حدّثني قيس بن الحجاج عن حنش عن ابن عباس عن ابن مسعود أنه وضّأ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ بنبيذ فتوضأ به وقال: «شراب وطهور» ابن لَهِيعة لا يحتج به.
وبهذا السند عن ابن مسعود: أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمعك ماء يابن مسعود»؟ فقال: معي نبيذ في إداوة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صُبّ عليّ منه». فتوضأ وقال: «هوشراب وطهور» تفرّد به ابن لَهِيعة وهو ضعيف الحديث.
قال الدَّرَاقُطْنِي: وقيل إن ابن مسعود لم يشهد مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ.
كذلك رواه علقمة بن قيس وأبو عبيدة بن عبد الله وغيرهما عنه أنه قال: ما شهدت ليلة الجنّ.
حدّثنا أبو محمد بن صاعد حدّثنا أبو الأشعث حدّثنا بشر بن الفضل حدثنا داود بن أبي هند عن عامر عن علقمة بن قيس قال: قلت لعبد الله بن مسعود: أشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد منكم ليلة أتاه داعي الجنّ؟ قال لا.
قال الدَّرَاقُطْنِيّ: هذا إسناد صحيح لا يختلف في عدالة راويه.
وعن عمرو بن مُرّة قال قلت لأبي عبيدة: حضر عبد الله بن مسعود ليلة الجنّ؟ فقال لا.
قال ابن عباس: كان الجنّ سبعة نفر من جنّ نَصِيبين فجعلهم النبيّ صلى الله عليه وسلم رسلًا إلى قومهم.
وقال زِرّ بن حُبيش: كانوا تسعة أحدهم زَوْبعة.
وقال قتادة: إنهم من أهل نِينَوَى.
وقال مجاهد: من أهل حران.
وقال عكرمة: من جزيرة الموصل.
وقيل: إنهم كانوا سبعة. ثلاثة من أهل نجران وأربعة من أهل نَصِيبِين.
وروى ابن أبي الدنيا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث وذكر فيه نَصِيبين فقال: «رفعت إليّ حتى رأيتها فدعوت الله أن يكثر مطرها وينضر شجرها وأن يُغْزر نهرها». وقال السهيلي: ويقال كانوا سبعة. وكانوا يهودًا فأسلموا؛ و لذلك قالوا: «أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى».
وقيل في أسمائهم: شاصر وماصر ومنشى وماشى والأحقب؛ ذكر هؤلاء الخمسة ابن دريد.
ومنهم عمرو بن جابر؛ ذكره ابن سلام من طريق أبي إسحاق السَّبِيعي عن أشيئاخه عن ابن مسعود أنه كان في نفر من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم يمشون فرفع لهم إعصار ثم جاء إعصار أعظم منه فإذا حَيّة قتيل. فعمد رجل منا إلى ردائه فشقّه وكفن الحية ببعضه ودفنها. فلما جنّ الليل إذا امرأتان تسألأن: أيكم دفن عمرو بن جابر؟ فقلنا: ما ندري من عمرو بن جابر! فقالتا: إن كنتم ابتغيتم الأجر فقد وجدتموه. إن فَسَقة الجنّ اقتتلوا مع المؤمنين فقُتل عمرو؛ وهو الحيّة التي رأيتم. وهو من النفر الذين استمعوا القرآن من محمد صلى الله عليه وسلم ثم ولوا إلى قومهم منذرين.
وذكر ابن سلام رواية أخرى: أن الذي كفّنه هو صفوان بن المُعَطَّل.
قلت: وذكر هذا الخبر الثعلبي بنحوه فقال: وقال ثابت بن قُطْبة جاء أناس إلى ابن مسعود فقالوا: إنا كنا في سفر فرأينا حيّة متشحّطة في دمائها. فأخذها رجل منا فواريناها؛ فجاء أناس فقالوا: أيكم دفن عَمْرًا؟ قلنا وما عمرو! قالوا الحية التي دفنتم في مكان كذا؛ أمَا إنه كان من النفر الذين سمعوا القرآن من النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان بين حَيّيْن من الجنّ مسلمين وكافرين قتال فقُتل.
ففي هذا الخبر أن ابن مسعود لم يكن في سفر ولا حَضَرَ الدفن؛ والله أعلم.
وذكر ابن أبي الدنيا عن رجل من التابعين سَمّاه: أن حية دخلت عليه في خِبائه تلهث عطشًا فسقاها ثم أنها ماتت فدفنها. فأتِي من الليل فسلم عليه وشكر؛ وأخبر أن تلك الحيّة كانت رجلًا من جنّ نَصِيبِين اسمه زوبعة.
قال السُّهَيْليّ: وبلغنا في فضائل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مما حدّثنا به أبو بكر بن طاهر الأشبيلي: أن عمر بن عبد العزيز كان يمشي بأرض فلاة. فإذا حية ميّتة فكفنها بفضلة من ردائه ودفنها؛ فإذا قائل يقول: يا سرق. أشهد لسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستموت بأرض فلاة فيكفنك رجل صالح».
فقال: ومن أنت يرحمك الله فقال: رجل من الجنّ الذين استمعوا القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبقَ منهم إلا أنا وسرق؛ وهذا سرق قد مات. وقد قتلت عائشة رضي الله عنها حية رأتها في حجرتها تستمع وعائشة تقرأ؛ فأتيت في المنام فقيل لها: إنك قتلت رجلًا مؤمنًا من الجنّ الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالت: لوكان مؤمنًا ما دخل على حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقيل لها: ما دخل عليك إلا وأنت متقنعة. وما جاء إلا ليستمع الذكر.
فأصبحت عائشة فزعة. واشترت رقابًا فأعتقتهم.
قال السهيلي: وقد ذكرنا من أسماء هؤلاء الجنّ ما حضرنا؛ فإن كانوا سبعة فالأحقب منهم وَصْفٌ لأحدهم. وليس باسم علم؛ فإن الأسماء التي ذكرناها آنفًا ثمانية بالأحقب.
والله أعلم.
قلت: وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخه: هامة بن الْهَيْم بن الأقيس بن إبليس؛ قيل: إنه من مؤمني الجنّ وممن لقي النبيّ صلى الله عليه وسلم وعلمه سورة {إِذَا وَقَعَتِ الواقعة} و{المُرْسَلاَتِ} و{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} و{إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} و{الحمد} و(الْمُعَوِّذَتَيْنِ).
وذكر أنه حضر قتل هابيل وشَرِك في دمه وهو غلام ابن أعوام. وأنه لقي نُوحًا وتاب على يديه. وهودا وصالحًا ويعقوب ويوسف وإلياس وموسى بن عمران وعيسى ابن مريم عليهم السلام.
وقد ذكر الماورديّ أسماءهم عن مجاهد فقال: حسى ومسى ومنشى وشاصر وماصر والأرد وأنيان والأحقم.
وذكرها أبو عمرو عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك قال: حدّثنا محمد بن البراء قال حدّثنا الزبير بن بكار قال: كان حمزة بن عتبة بن أبي لهب يُسَمِّي جِنّ نَصِيبِين الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: حسى ومسى وشاصر وماصر والأفخر والأرد وأنيال.
قوله تعالى: {فَلَمَّا حَضَرُوهُ} أي حضروا النبيّ صلى الله عليه وسلم. وهو من باب تلوين الخطاب.
وقيل: لما حضروا القرآن واستماعه.
{قالوا أَنصِتُواْ} أي قال بعضهم لبعض اسكتوا لاْستماع القرآن.
قال ابن مسعود: هبطوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نَخْلة. فلما سمعوه {قالوا أَنْصِتُوا} قالوا صه.
وكانوا سبعة: أحدهم زوبعة؛ فأنزل الله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الجن يَسْتَمِعُونَ القرآن فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالوا أَنصِتُواْ} الآية إلى قوله: {فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}.
وقيل: {أَنْصِتُوا} لسماع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والمعنى متقارب.
{فَلَمَّا قُضِيَ} وقرأ لاحق بن حُميد وخُبيب بن عبد الله بن الزبير {فَلَمَّا قَضَى} بفتح القاف والضاد؛ يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة.
وذلك أنهم خرجوا حين حُرست السماء من استراق السمع ليستخبروا ما أوجب ذلك؟ فجاءوا وادي نخلة والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر. وكانوا سبعة. فسمعوه وانصرفوا إلى قومهم منذرين. ولم يعلم بهم النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقيل: بل أمِر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن ينذر الجنّ ويقرأ عليهم القرآن. فصرف الله إليه نفرًا من الجنّ ليستمعوا منه وينذروا قومهم؛ فلما تلا عليهم القرآن وفرغ انصرفوا بأمره قاصدين مَن وراءهم من قومهم من الجنّ. منذرين لهم مخالفة القرآن ومحذِّرين إياهم بأس الله إن لم يؤمنوا.
وهذا يدلّ على أنهم آمنوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأنه أرسلهم.
ويدل على هذا قولهم: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمنوا بِهِ} ولولا ذلك لما أنذَروا قومهم.
وقد تقدّم عن ابن عباس أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم جعلهم رسلًا إلى قومهم؛ فعلى هذا ليلةُ الجنّ ليلتان. وقد تقدّم هذا المعنى مستوفًى.
وفي صحيح مسلم ما يدل على ذلك على ما يأتي بيانه في {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} [الجن: 1].
وفي صحيح مسلم عن مَعْن قال: سمعت أبي قال سألت مسروقًا: من اذن النبيّ صلى الله عليه وسلم بالجنّ ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدّثني أبوك يعني ابن مسعود أنه اذنته بهم شجرة.
قوله تعالى: {قالواْ يا قومنا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى}.
أي القرآن؛ وكانوا مؤمنين بموسى.
قال عطاء: كانوا يهودًا فأسلموا؛ و لذلك قالوا: {أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى}.
وعن ابن عباس: أن الجنّ لم تكن سمعت بأمر عيسى. فلذلك قالت: {أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى}.
{مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} يعني ما قبله من التوراة.
{يهدي إِلَى الحق} دين الحق.
{وإلى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} دين الله القويم.
{ياقومنا أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ وهذا يدلّ على أنه كان مبعوثًا إلى الجنّ والإنس.
قال مقاتل: ولم يبعث الله نبيًّا إلى الجنّ والإنس قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت: يدلّ على قوله ما في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطِيت خمسًا لم يُعْطَهُنّ أحدٌ قبلي كان كلّ نبيّ يُبعث إلى قومه خاصّةً وبُعثت إلى كلّ أحمرَ وأسْوَدَ وأحِلّت لِيَ الغنائم ولم تُحَلّ لأحد قبلي وجُعلت لِيَ الأرض طيّبةً طهورًا ومسجدًّا فأيُّمَا رجلٍ أدركته الصلاة صلّى حيث كان ونُصِرْتُ بالرُّعْب بين يَدَيْ مسِيرةِ شَهْرٍ وأُعطِيتُ الشفاعةَ» قال مجاهد: الأحمر والأسود: الجنّ والإنس.
وفي رواية من حديث أبي هريرة: «وبُعثت إلى الخلق كافة وخُتم بِيَ النَّبيّون» {وَآمنوا بِهِ} أي بالداعي. وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل: {به} أي بالله؛ لقوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ}.
قال ابن عباس: فاستجاب لهم من قومهم سبعون رجلًا؛ فرجعوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فوافقوه بالبطحاء؛ فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم.
مسألة هذه الآية تدلّ على أن الجنّ كالأنس في الأمر والنهي والثواب والعقاب.
وقال الحسن: ليس لمؤمني الجنّ ثواب غير نجاتهم من النار؛ يدلّ عليه قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
وبه قال أبو حنيفة قال: ليس ثواب الجنّ إلا أن يجاروا من النار. ثم يقال لهم: كونوا ترابًا مثل البهائم.
وقال آخرون: إنهم كما يعاقبون في الإساءة يجازَوْن في الإحسان مثل الإنس.
وإليه ذهب مالك والشافعيّ وابن أبي ليلى.
وقد قال الضحاك: الجنّ يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون.
قال القشيريّ: والصحيح أن هذا مما لم يُقطع فيه بشيء. والعلم عند الله.
قلت: قوله تعالى: {ولكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ} [الأحقاف: 19] يدلّ على أنهم يثابون ويدخلون الجنة؛ لأنه قال في آية أخرى: {يَامَعْشَرَ الجن والإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتي إلى أن قال ولكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ} [الأنعام: 130- 132].
والله أعلم؛ وسيأتي لهذا في سورة (الرحمن) مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: {وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرض} أي لا يفوت الله ولا يسبقه {وليس لَهُ مِن دُونِهِ أوليَاءُ} أي أنصار يمنعونه من عذاب الله.
{أولئك فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}. اهـ.